وما ادراك ما ليلة القدر؟

Dr. MAH Azhari
نحمد الله جل وعلا على عظيم امتنانه بأن أخّر آجالنا حتى نستقبل من جديد العشرَ الأواخر من رمضان. وما أدراك ما العشر الأواخر؟ أيام تحل فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وتُعتَق الرقاب من النار، وينزل رحمة الرحمن بين عباده مثل هطول الأمطار بل أكثر.

وإليك بيان جملة السنن النبوية التي تخص بها هذه الأيام المقبلة متوقعاً ليلة القدر:
» الاعتكاف، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، «كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين». وما فضل الاعتكاف وثوابه؟ روى البيهقي وغيره عن عبد الله بن عباس عن النبي ﷺ:”ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين”.

» الخلوة مع الله: إنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يُطلب فيها ليلة القدر، قطعا لأشغاله، وتفريغا لباله، وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه. وقد قال النبي ﷺ: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْخَفِيَّ" كما رواه مسلم. فاشرب بالخلوة كأسات محبة الله. وما فضل محبة الله؟ قال تعالى في الحديث القدسي: "فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ". وقد كان النبي ﷺ يتخذ في المسجد خباء لمزيد من التفرغ للعبادات في هذه الأيام، ولك فيه أسوة حسنة.

» اجتناب النساء. تقول عائشة: «كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدَّ المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحورا». رواه ابن أبي عاصم. وقد كان النبي ﷺ يصيب من أهله في العشرين من رمضان، ثم يعتزل نساءه ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. وفي حديث أنس: «وطوى فراشه، واعتزل النساء».

» الاغتسال بين العشائين: وقد روي عن عائشة أنها قالت «واغتسل بين الأذانين». فإنك تقبل إلى مولاك، وإنه جميل يحب الجمال. فخُذْ زينتك عند كل صلاة وبالخصوص في هذه الليالي المباركة. فإنه لا يصلح لمناجاة الملوك في الخلوات إلا من زيّن ظاهره وباطنه وطهرهما، خصوصا ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس، وباطنه بلباس التقوى.

» قيام الليل: تصلي العشاء والرواتب، ثم صلاة التراويح مع التضرع وإطالة القراءة. قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ). فإن شئت تنام قليلا ثم تقوم وتصلي التهجد مع إطالة القيام والسجدات وإن قلت الركعات. قال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ یَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ ۝١٦ فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسࣱ مَّاۤ أُخۡفِیَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡیُنࣲ جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ ﴾ [السجدة ١٦-١٧]. ولا تنس أن تجعل آخر صلاتك بالليل صلاة الوتر، وأكمل عدتها إحدى عشرة ركعة، فإنها من أفضل النوافل. وهذا كله إذا فعلتها في رمضان فلا يحصى ثوابه فقد قال ﷺ: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). فما ظنك بثواب من قام بهذه الأعمال في ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر؟!

» إيقاظ الأهل للصلاة دون غيرها من الليالي، كان النبي ﷺ يطرق فاطمة وعليّا ليلا فيقول لهما: «ألا تقومان فُتصليان» رواه البخاري ومسلم. وقد قال الله تعالى: «وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَیۡهَاۖ »

» الإكثار من تلاوة القرآن مرتلا. وإن أطلت القراءة في الصلاة كان أفضل وأجزل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ. فاتلُ كلام الله تعالى مع الخشية والتضرع متدبر المعاني، ومتفكرا فيها.

» كثرة التضرع والدعاء: ولا تنس أن تدعو الله وأن تتضرع إليه دامع العين ومنكسر القلب. فادعه ما شئت فإن الدعاء يسمع ويستجاب. وأكثِر من دعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني". قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟" قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني».

فاجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكير، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر. وكن حريصاً على تحري ليلة القدر، وبالخصوص في الليالي الفردية، وادع الله أن توافقها. وقد روى أحمد والنسائي عن النبي ﷺ  أنه قال في شهر رمضان: «فيه ليلة خير من ألف شهر، منَ حُرم خيرها فقد حُرم ». فلا تكن ممن يحرم خيرها، بالتساهل والتكاسل. وادع الله للعتاق من النار بعد التوبة النصوح والإنابة الصادقة، حتى يغفر لك الذنوب جميعاً ويتوب عليك ويدخلك الجنان. ولا تكن ممن يجتهدون في بعض هذه الليالي ثم ينام في الليالي الأخرى، بل اجتهد في جميع هذه العشر الأواخر، حرصاً على إصابة ليلة القدر، والله الموفق.
© 2024 Dr. MAH Azhari
⚡ziqx.cc