رحلة الحج: تأملات من صعيد الفكر
Dr. MAH Azhari
يتميز الحج عن سائر العبادات التي يؤديها المؤمن بأمور لا تكاد تجتمع إلا فيه. تسكن في كل من مناسكه أسرار وعبر وعظات، يتبينها من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. فهذا الذي يستعد لرحلة الحج، حيث تيسرت له الأمور بعد أن مرت عليه سنوات، ورغبته للحج تلتظي جمرة في أحشاءه، يقوم بجهاد أي جهاد. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال؛ أفلا نجاهد؟" قال: "لا، ولكن أفضل الجهاد حج مبرور"رواه البخاري. وإنه ليضحي كما هائلا من ماله الذي تفانى في كسبه حقبة كبيرة من عمره، ويتحرى أن تكون نفقته حلالا ليكون حجه مبرورا. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيّب لا يقبل إلا طيِّبًا”. ولا يقصد بخروجه إلا وجه الله ورضاه، فإنما يقبل الحج الذي أتى به المؤمن لوجهه، كما أفرده له في قوله: (وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ).
بعد توبة صادقة وقضاء ديون وأداء حقوق مع الناس، يفارق أهله وماله وبلده. ولا يأخذ معه إلا زاده، ويلبس إحرامه الذي يشبه أكفانه التي يدفن فيها، فيكون على يقين بأنه لا يأخذ من الدنيا إذ يفارقها سوى أكفانه، مهما طالت أمواله ومهما هالت ثرواته.. وأنه لا يحثى على كل من الغني والمسكين والوجيه والخامل إلا التراب، ولا يستقبله إلا بيت من تراب وما حواه من شدائد. ولا يزال يتذكر هذا المعنى كلما يرى محرما في إزاره ورداءه.
فالذي يخرج من بيته للحج المبرور يخرج من بيته كيوم يحثى عليه التراب.. وكم من حاج قضى نحبه أثناء مناسكه.. فإذا ركب وأحرم، أصاب أجره إن شاء الله. قال صلى الله عليه وسلم ”إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز ( الركاب ) فنادَى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء : لبيك وسعدَيك ( أي أجاب الله حجك إجابة بعد إجابة )، زادك حلال، وراحتك (مركبك) حلال، وحجُّك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك، ناداه مناد من السماء، لا لبيكَ ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور”.
ثم إذا تشرف بدخول الحرم الشريف، ورأى بيت الله العتيق، ينبعث في قلبه ينابيع ذكريات الأنبياء، ويستشعر بأنه الآن في أرض تشرفت بأقدام الأنبياء، في أرض هي أم القرى وموطن المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع "في بلدكم هذا". ويذكر عظيم امتنان الله تعالى عليه من إجابته لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام. فإنه لمّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَقال لَه اللهُ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: يَا رَبِّ! وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْإِبْلَاغُ، فَصَعِدَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ وَصَاحَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِحَجِّ هَذَا الْبَيْتِ لِيُثِيبَكُمْ بِهِ الْجَنَّةَ وَيُجِيرَكُمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَحُجُّوا، فَأَجَابَهُ مَنْ كَانَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ! فَمَنْ أَجَابَ يَوْمَئِذٍ حَجَّ عَلَى قَدْرِ الْإِجَابَةِ، إِنْ أَجَابَ مَرَّةً فَمَرَّةً، وَإِنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ فَمَرَّتَيْنِ، وَجَرَتِ التَّلْبِيَةُ عَلَى ذَلِكَ (القرطبي).
وإذا طاف ببيت الله تعالى يتذكر عظيم امتنانه عليه من إلحاقه بكعبته وقبلة المسلمين، تلك النعمة التي يشتاقها الملايين.. ويصور في قلبه صور ما يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ويتمثل بدعائهما (رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ).. وإذا سعى بين الصفا والمروة تدب في قلبه ذكريات سيدنا إسماعيل وهاجر عليهما السلام، ذاك الابتلاء الذي تذرف له العيون وتئن له القلوب، ثم يبرد حرارة مشاعره والتهابها بجرعات من ماء زمزم، ويفقه أن المنحة تسكن في طيات المحن وأن مع العسر يسرا.
وإذا وقف بعرفة، يتذكر في قلبه خطبة الوداع، تلك الخطبة التي كانت أقدم إعلان للحقوق الإنسانية ، والتي ينبهر الغرب بمفاهيم تلك الخطبة ويندهش بمعانيها الأخاذة وقيمها الإنسانية. تلك الخطبة التي تؤكد بأمس حاجة المجتمع العالمي إلى الديانة الإسلامية لترسيخ القيم الإنسانية وتجذيرها في قلوب الجماهير، حيث يدعو النبي صلى الله عليه وسلم الكون البشري أجمع إلى احترام دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وينهاهم عن سفك الدماء وهتك الأعراض، ويحثهم على الالتزام بحقوق النساء والعبيد.
ومن أعظم دعائم الحج المبرور، أن لا يعتري الحاج شيء من الرفث والفسوق والجدال. (فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّ). فلا يتمتع بالنساء نوع تمتع، لا بمس ولا تقبيل ولا حديث تتدخله الشهوة. ولا يأتي بنوع فسق ككلام يتأذي به أحد، وكتعمد نظر محرم، وكل ما يحرم فعله للمحرم وسائر ما يكتب سيئة، صغيرة كانت أو كبيرة.
ولا يجادل أحدا ولو في شراء شيء من الأمتعة أو تعيين أجر لنحو حلق الشعر وقصه. وإن هذه الرياضات إذا واظب عليها ووضعها في نصب عينيه، صار حجه مبرورا، وانطبعت تلك القيم الأخلاقية في جبلته وغريزته، حتى تكون سيرته محمودة وخليقته ممدوحة فيما بقي من أيامه المعدودة.
ولكي يكون ختام الحج مسكا لا بد من زيارة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. وقد قال: "من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني". (الدارقطني). وإذا جفانا النبي ﷺ فكيف ننجو من الجحيم..
فهنيئا لمن يزوره، وقد قال: "من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي".(الدارقطني)وقال أيضا " من زارني بالمدينة محتسبًا كنت له شفيعًا شهيدًا يوم القيامة"(أبو داود). وفقنا الله للحج المبرور والعمرة المقبولة والزيارة المرضية مرات بعد كرات.
بعد توبة صادقة وقضاء ديون وأداء حقوق مع الناس، يفارق أهله وماله وبلده. ولا يأخذ معه إلا زاده، ويلبس إحرامه الذي يشبه أكفانه التي يدفن فيها، فيكون على يقين بأنه لا يأخذ من الدنيا إذ يفارقها سوى أكفانه، مهما طالت أمواله ومهما هالت ثرواته.. وأنه لا يحثى على كل من الغني والمسكين والوجيه والخامل إلا التراب، ولا يستقبله إلا بيت من تراب وما حواه من شدائد. ولا يزال يتذكر هذا المعنى كلما يرى محرما في إزاره ورداءه.
فالذي يخرج من بيته للحج المبرور يخرج من بيته كيوم يحثى عليه التراب.. وكم من حاج قضى نحبه أثناء مناسكه.. فإذا ركب وأحرم، أصاب أجره إن شاء الله. قال صلى الله عليه وسلم ”إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز ( الركاب ) فنادَى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء : لبيك وسعدَيك ( أي أجاب الله حجك إجابة بعد إجابة )، زادك حلال، وراحتك (مركبك) حلال، وحجُّك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك، ناداه مناد من السماء، لا لبيكَ ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور”.
ثم إذا تشرف بدخول الحرم الشريف، ورأى بيت الله العتيق، ينبعث في قلبه ينابيع ذكريات الأنبياء، ويستشعر بأنه الآن في أرض تشرفت بأقدام الأنبياء، في أرض هي أم القرى وموطن المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع "في بلدكم هذا". ويذكر عظيم امتنان الله تعالى عليه من إجابته لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام. فإنه لمّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَقال لَه اللهُ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: يَا رَبِّ! وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْإِبْلَاغُ، فَصَعِدَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ وَصَاحَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِحَجِّ هَذَا الْبَيْتِ لِيُثِيبَكُمْ بِهِ الْجَنَّةَ وَيُجِيرَكُمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَحُجُّوا، فَأَجَابَهُ مَنْ كَانَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ! فَمَنْ أَجَابَ يَوْمَئِذٍ حَجَّ عَلَى قَدْرِ الْإِجَابَةِ، إِنْ أَجَابَ مَرَّةً فَمَرَّةً، وَإِنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ فَمَرَّتَيْنِ، وَجَرَتِ التَّلْبِيَةُ عَلَى ذَلِكَ (القرطبي).
وإذا طاف ببيت الله تعالى يتذكر عظيم امتنانه عليه من إلحاقه بكعبته وقبلة المسلمين، تلك النعمة التي يشتاقها الملايين.. ويصور في قلبه صور ما يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ويتمثل بدعائهما (رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ).. وإذا سعى بين الصفا والمروة تدب في قلبه ذكريات سيدنا إسماعيل وهاجر عليهما السلام، ذاك الابتلاء الذي تذرف له العيون وتئن له القلوب، ثم يبرد حرارة مشاعره والتهابها بجرعات من ماء زمزم، ويفقه أن المنحة تسكن في طيات المحن وأن مع العسر يسرا.
وإذا وقف بعرفة، يتذكر في قلبه خطبة الوداع، تلك الخطبة التي كانت أقدم إعلان للحقوق الإنسانية ، والتي ينبهر الغرب بمفاهيم تلك الخطبة ويندهش بمعانيها الأخاذة وقيمها الإنسانية. تلك الخطبة التي تؤكد بأمس حاجة المجتمع العالمي إلى الديانة الإسلامية لترسيخ القيم الإنسانية وتجذيرها في قلوب الجماهير، حيث يدعو النبي صلى الله عليه وسلم الكون البشري أجمع إلى احترام دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وينهاهم عن سفك الدماء وهتك الأعراض، ويحثهم على الالتزام بحقوق النساء والعبيد.
ومن أعظم دعائم الحج المبرور، أن لا يعتري الحاج شيء من الرفث والفسوق والجدال. (فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّ). فلا يتمتع بالنساء نوع تمتع، لا بمس ولا تقبيل ولا حديث تتدخله الشهوة. ولا يأتي بنوع فسق ككلام يتأذي به أحد، وكتعمد نظر محرم، وكل ما يحرم فعله للمحرم وسائر ما يكتب سيئة، صغيرة كانت أو كبيرة.
ولا يجادل أحدا ولو في شراء شيء من الأمتعة أو تعيين أجر لنحو حلق الشعر وقصه. وإن هذه الرياضات إذا واظب عليها ووضعها في نصب عينيه، صار حجه مبرورا، وانطبعت تلك القيم الأخلاقية في جبلته وغريزته، حتى تكون سيرته محمودة وخليقته ممدوحة فيما بقي من أيامه المعدودة.
ولكي يكون ختام الحج مسكا لا بد من زيارة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. وقد قال: "من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني". (الدارقطني). وإذا جفانا النبي ﷺ فكيف ننجو من الجحيم..
فهنيئا لمن يزوره، وقد قال: "من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي".(الدارقطني)وقال أيضا " من زارني بالمدينة محتسبًا كنت له شفيعًا شهيدًا يوم القيامة"(أبو داود). وفقنا الله للحج المبرور والعمرة المقبولة والزيارة المرضية مرات بعد كرات.