هل دخلت في مأدبة الله؟

Dr. MAH Azhari
يا من يقاسي متاعب الحياة ويكابد نوائب الأيام، من أمراض مزمنة أو ديون متراكمة أو انحطاط تجاري أو تفاقم العدوان أو خيانة الشركاء، يدعوك ربك إلى ساحة الطمأنينة والارتياح «ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ»{الرعد ٢٨} فبذكر الله ترتاح وتطمئن، وهل من ذكر أفضل ثوابا وأجزل نفعا وتأثيرا من كلام الله؟! فاستشف به لأمراض قلبك، فإنه «شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ».

فارتبط بالقرآن ارتباطا قويا، تلاوة وتدبرا وتفكرا واعتبارا. ولتكن تلاوة القرآن هوية وسجية لا تنفك عنك، حتى يعطيك الله كل ما تحتاج، وإن لم تسأله. يقول الرب عز وجل: "من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته ‏أفضل ما أعطي السائلين" (واه الترمذي). فلن تكون في ضيق من الأرزاق في الحياة الدنيا، ما دمت مبالغا في تلاوة القرآن. ولا يعذبك الله يوم الجزاء، كيف ذلك وأنت محبوبه؟! قال النبي ﷺ "اقرؤوا القرآن، فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر". (رواه الدارمي). فادخل في مأدبة الله بتلاوة كتابه ليلا ونهارا حتى تأمن من مكر الليل والنهار، وتلقى الله وهو راض عنك.

ثم إن القرآن ربيع القلوب وغيثه، مهما خلت القلوب عن هطول نفحات كلام الله فيها، استصلبت وجفت ونفدت فيها ينابيع الراحة والطمأنينة، كما أن الأرض إذا تعطلت الأمطار، قحطت واستصلبت ولا تنبت شيئا.

أما الذي صارت تلاوة القرآن سجيته، يسطع شذى ربيع قلبه في عقله وفكره، ويعبق جميع جسده بشميم أزهاره، حتى يصير أعضاء الجسد ثمارا يانعة طيبة. ولذلك قال ﷺ: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب"(متفق عليه). ثم إذا فارقت هذه الدار ووُسِّدت في التراب دفينا، تأبى الأرض أن تأكل لحمك. يا لها من كرامة! فقد روي أنه قال ﷺ: "إذا مات حامل القرآن أوحى الله إلى الأرض أن لا تأكلي لحمه"، قالت: "إلهي كيف آكل لحمه وكلامك في جوفه" (رواه الديلمي) فاسأل قلبك هل دخل فيه حب القرآن والشوق إلى المواظبة على تلاوته؟!

أمّا شهرك الذي أنت فيه «شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ» [البقرة ١٨٥]، كأن هذا الشهر دارك والقرآن ضيفك، فلا تعتذر عن استقبال هذا الضيف الكريم. واقرِه بأن تنقضّ على تلاوته وتنخرط في تدبر معانيه، وتذرف دموع الكآبة والتعاسة خوفا على أليم عذاب الله وعظيم عقابه، واعترافا بالذنوب التي ارتكبت عليها، والتي تكاد السماوات يتفطرن منها.

ثم تعال، وتساءل نفسك كم درست معاني القرآن؟ وما القدر الذي فهمت من معاني الآيات؟ يقول الرب تعالى في علاه: «أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ» (محمد ٢٤). وتذكر أن ربك أنزل على رسولنا المصطفى ﷺ كتابا، وفيه دعوة مريرة إلى الكون البشري لتعقّل آياته والتفكر في معانيه، كقوله «أَفَلَا تَعۡقِلُونَ»، «أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ»، «لَعَلَّهُمۡ یَفۡقَهُونَ» وغيرها من الصيغ الواردة مرات بعد كرات. فهل تصديت لدراسة كلامه؟ إن كان جوابك 'لا' فلم تُجِبْ دعوة الله الذي خلقك فسوّاك!

فاقرع باب معلم فقيه بكتاب الله، صحيحِ العقيدة، وتذلل بين يديه، وإن لم تجده بين أظهر الناس، فاطلبه عبر النيت، فإن الفرص وافرة في العالم الافتراضي أين ما كنت تقيم، حتى تفهم معاني متون الآيات الكريمة راسخة على عقيدة أهل السنة والجماعة، ثم تستغرق في بحار التفاسير المعتبرة، التي تزخر بدرر الفرائد ولآلي الفوائد. ولا تحاول فهم القرآن بمجرد الاستناد إلى القواميس وهوى نفسك، حتى تزل قدمك وتقع في زوبعة عصفت بإيمان كثير من القلوب، كما قال تعالى: «یُضِلُّ بِهِۦ كَثِیرࣰا وَیَهۡدِی بِهِۦ كَثِیرࣰاۚ وَمَا یُضِلُّ بِهِۦۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقِینَ» (البقرة ٢٦).

© 2024 Dr. MAH Azhari
⚡ziqx.cc